اصول اخلاق الرسول (ص)

الأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي حفظه الله تعالى

يتساءل كثير من الناس عن أصول الأخلاق النبوية و سبب توافرها و اكتمالها لدى النبي محمد صلى الله عليه وسلم ؟ و الجواب عن ذلك سهل و هو أنه رسول و نبي خاتم الرسل و الأنبياء و قدوة أو أسوة البشرية جمعاء في العقيدة و الشريعة و الآداب و المناهج ، و رسالته السماوية خالدة على ممر الأجيال فكان سبب توافر هذه الأخلاق العليا و الشمائل الكاملة ثلاثة أسباب هي العقل ، كمال العلم على الرغم من أميته ، التأديب و التعليم اللدني من الله تعالى .

أما العقل الذي هو مصدر العلم و المعرفة :

فهو إدراك النفس بإشراق ظهوره أو إفاضة نوره كالشمس الساطعة التي تبهر الأبصار . و يترتب عليه نفاذ الرأي و جودة الفطنة و صدق الظن و النظر الثاقب و التبصر بعواقب الأمور أي التأمل و التدبر في عواقب الأمور ليتميز محمودها من مذمومها فيكتسب المدائح و يجتنب القبائح و من أجل تحقيق مصالح النفس و منافعها و محاسن عاقبتها و لمجاهدة الأهواء و الشهوات و حسن السياسة للناس بالعدالة و صدق اللهجة و حسن التدبير لأمور البشر في المعاش و المعاد و للتخلق بالفضائل و الشمائل و اجتناب الرذائل .

و أما السبب الثاني و هو تمكن هذا النبي من تمام العلم الحاصل المتفرع عن العقل الكامل ، الذي بلغ الغاية التي لم يبلغها بشر سواه .

و ثمار هذا العلم واضحة ملموسة لكل من تتبع سيرة هذا النبي و شاهد مظاهر شمائله الرضية الشاملة للظاهر و الباطن و اطلع على جوامع كلمه و منطقه العذب و حكمته العميقة و علمه بما في التوراة و الإنجيل و الكتب المنزلة و درس حكم الحكماء و سير الأمم الخالية و أيامها و قصصها و الأمثال المتداولة و سياسات الأنام و بيان الأحكام و تقرير أصول الشرائع وفروعها و تأصيل فلسفة الآداب المرغوبة و الشيم الحميدة من الأخلاق و العادات السائدة بل و إدارك العلوم المختلفة كتعبير الرؤيا ( تفسيرها ) و الطب و الحساب و الفرائض و النَسب ( العزو للأب ) و غير ذلك .

و هذه العلوم النبوية هي إلهية المنشأ و التعليم و هو السبب الثالث لأخلاقه فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أمياً لا يقرأ و لا يكتب حتى يكون مصدر علومه كلها هو تعليم الله له من غير مدارسة و لا مطالعة كتاب و لا مجالسة علماء حتى شرح الله صدره و أبان أمره و علّمه و أقرأه ما لم يكن يعلم و كان فضل الله عليه عظيماً .

و لم تكن علومه و معارفه عليه الصلاة و السلام محدودة محصورة و إنما كانت شاملة لعلوم الدنيا و الآخرة بتعليم الله له فأطلعه الله على علم ما كان و ما يكون كما أطلعه على عجائب قدرته و عظيم ملكوته بنحو واضح و برهان ساطع قال الله تعالى : ( و علّمك ما لم تكن تعلم و كان فضل الله عليك عظيماً ) النساء 4/113
حيث أنعم الله عليه إنعاماً واسعاً حارت العقول في تقدير فضله عليه و خرست الألسنة دون وصف يحيط بما من الله عليه به أو انتهى إليه علمه دون نعت ينحصر لديه لأنه مظهر الاسم الأعظم

إن أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم مبنية على أصول قطعية الثبوت و الدلالة و لم تنشأ من تجربة أو فلسفة أو تعليم أو تدريب فهي وعاء النبوة و أس الوحي الإلهي و جوهر العناية الربانية

و لا يصح لبشر أن يتشكك في هذا أو يحاول النيل من هذه المعلومات التهذيبية الربانية التي أقام الله عليها نبيه الكريم ليكون رمز العطاء و مصدر البيان و ينبوع الحكمة و دليل السداد و الصواب و أستاذ العلماء و الحكماء و الأدباء

إن الفلاسفة و الحكماء محدودو المعرفة و تحليقهم أحياناً مقصور على جانب أو أكثر من النظريات الأدبية أو المعلومات الفلسفية أما النبي صلى الله عليه وسلم فلا يصح وصفه بأنه فيلسوف أو حكيم و إنما هي النبوة الشاملة لكل أنواع الحكمة و المعرفة كما لا يصح وصفه بالُملك و عزة الجانب البشري المكتسب و إنما فيه النبوة الجامعة لكل خير و فضل و سؤدد و وجدان وخبرة و تفوق و سداد في جميع نواحي الحياة الدنيوية و الأخروية ..

و الخلاصة : إن النبوة مرتبة سامية لا يقاس عليها أي لون من ألوان التفوق البشري

بارك الله فيك على الموضوع القيم

واااصل